1:03 م

توفي قبل يومين واحد من افضل المفكرين العرب شغلنا كاس العالم عن تابينه






عن واحد وثمانين عاما وبعد صراع طويل مع المرض، ترجل فارس المستقبليات العالم الجليل والدكتور المتميز المهدي المنجرة مخلفا وراءه مؤلفات تداولت أطروحاتها أجيال من الطلبة والمثقفين من طوكيو إلى الرباط مرورا بكل العواصم العربية والغربية، حتى بات مرجعا أساسيا في العلاقات الدولية والدراسات المستقبلية.
لقد عانى الدكتور المنجرة من ظلم وتهميش سلطات بلاده، التي لم تبد يوما اهتماما بدراساته وأبحاثه التي دعت دائما إلى إنهاء حالة التبعية المرضية للفرنكفونية وضرورة الاعتماد الحصري على العربية كلغة عالمة جامعة وإقحامها في أي مشروع تنموي نهضوي للمغرب وللعالم العربي مؤكدا على دورها المحوري في التنمية المستدامة.
سيذكر التاريخ حرص الراحل المنجرة ودفاعه الشرس عن المهمشين وحروبه ضد الفساد والفاسدين. ولا غرابة أن تمنع سلطات بلاده كل اجتماعاته وندواته في وقت فتحت أمامه أبواب جامعات طوكيو ونيويورك لتنهل من علمه ومعارفه.
وتحضرني هنا واقعة خلال إحدى محاضراته في مدينة مكناس. فلقد اكتشف الراحل المنجرة أن المقاعد الأمامية المخصصة لممثلي الدولة جلدية، بينما المقاعد الخلفية المخصصة للعموم خشبية. فما كان منه إلا أن رفض أن يبدأ محاضرته ما دام هناك فرق بين العموم وممثلي الدولة وطالب أن يكون الجميع متساوين في نوعية المقاعد. فكان له ما أراد.
هذا هو الراحل المنجرة الإنسان المتواضع الخلوق المدافع عن حق الفقراء والبسطاء في الكرامة، المؤمن بالعروبة كحضارة ومشترك جمعي تتوحد حوله كل فئات المجتمع.
لقد كان الراحل يتحدث دائما عن الوطن العربي وعن قدرته عبر ثرواته وطاقاته، على المساهمة الفعالة في الثقافة الإنسانية وفي إنتاج المعرفة عبر إعطاء الأولوية للبحث العلمي وللغة العربية للخروج من دائرة التبعية لقوى الاستعمار والوصول أخيرا إلى استقلال حقيقي يقطع مع الثالوث الخطير الذي حطم مقدرات الأمة والمتمثل في التبعية والاستبداد والفساد، والتأسيس لمجتمع معرفي يقضي على الأمية والجهل.
رحل المنجرة الإنسان والعالم في صمت بعد أن تخلى عنه الإعلام والدولة. فلا مكان اليوم إلا لأشباه المثقفين أصحاب الهويات الضيقة الناهقين في صفحات المواقع وهم ينفثون سمومهم حقدا على العربية والعروبة. إنه زمن الغدر والخيانات والتشظي. فأهلا بكم من جديد في مغرب العبث.
إننا نعزي أنفسنا وكل محبيه ومريديه في هذا المصاب الجلل راجين من الباري جلت قدرته أن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. 

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

0 التعليقات: