صناعة الحشرات..هكذا يتم إنتاج مائة مليار حشرة في السنة !

في منطقة «دروم» الفرنسية تقوم شركة بإنتاج مائة مليار حشرة في السنة قصد تخليص الأراضي الفلاحية من الكائنات التي تهددها إنه بديل حقيقي للمواد المستعملة للعناية بالنباتات
لكن أين نحن؟ هذا السؤال يتبادر إلى ذهن كل زائر يتجول بين الأروقة البيضاء لشركة «بيوتوب»، فمعايير السلامة ربما تشابه تلك المستخدمة في المواقع العسكرية المصنفة من الأسرار الدفاعية.
رجال ونساء يرتدون ملابس مثل ملابس الغطاسين ربما لن تجدها حتى في المحطات النووية. سترات بيضاء وبزات عمل ترتدى فوق الملابس، تذكر أكثر بالمختبرات التي تطور الفيروسات الخطيرة والمثيرة للقلق.
أي نوع من الأسلحة يجري تطويره خلف هذه الأبواب الثقيلة التي لا يمكن دفعها إلا بعد الاستعانة بكلتا اليدين، والتي تمنع الولوج إلى قاعات المبنى الخمسة والثمانين؟ وماذا عن هذه الرائحة المثيرة نوعا ما للغثيان للدواب الطائرة؟

هيا للقضاء على قملة النبات ودودة قرمز والنارية!
هناك القليل من كل هذا في هذا المصنع البالغة مساحته 14.000 متر مربع، والمشيد بإحدى المناطق الصناعية القريبة من إقليم ليفرون سير دروم، على بعد عشرين كيلومترا جنوب فالانس. هناك تجري صناعة أسلحة حقيقية، لكن لا خوف على سكان المنطقة. فمن يتوجب عليه فعل ذلك هي فراشات النارية (حشرة تقرض النباتات) التي تلتهم الذرة، ودودة قرمز العاشقة لشجيرات الورد، وقملة النبات المولعة بالطماطم، والذبابة البيضاء المنجذبة نحو الباذنجان والقراديات الأخرى التي تتلذذ بالعيش في الأراضي الفلاحية المجاورة.
غير أن «بيوتوب» أعلنت عليها حربا مفتوحة لا هوادة فيها، حيث تقوم في كل سنة بصنع جيش عرمرم قوامه مائة مليار حشرة للقضاء على هذه الكائنات المتطفلة. هناك لا يتم أي تعديل جيني: «ما نقوم به ببساطة هو مجرد انتقاء أفضل ما في الطبيعة، فهي تتوفر على كل شيء»، يقول المدير العام، مارك فيغنو، بنوع من الانشراح.
بالفعل، الشركة لا تخترع أي شيء، ففي حدائقنا وحقولنا، يكفي الانحناء قليلا للعثور على هذه الحشرات المحبة للعدل: الدعسوقة التي تلتهم قمل النبات التهاما، الزنابير الدقيقة أو «تريكوغرام» التي تهاجم النارية الضارة بالذرة، والبق مفترس حشرة التربس... لا تعود فكرة مواجهة الحشرات «الخيرة» و«الشريرة» إلى الأمس القريب، وما قامت به «بيوتوب» لا يعدو كونه رفع هذه الحرب البيولوجية إلى مستوى صناعي.
رأت الشركة النور سنة 1985 بتعاون مع المعهد الوطني للبحث الزراعي (Inra) في مدينة أنتيب. وتشكل اليوم فرعا للمجموعة الفلاحية الفرنسية «In Vivo» ويعرف رقم معاملاتها ارتفاعا سنويا بنسبة 10 في المائة (5 ملايين أورو في 2013).
ويؤكد مارك فيغنو: «في فرنسا، يتمتع أزيد من 100.000 هكتار من المساحات المخصصة لزراعة الذرة بحماية الزنبور الدقيق الذي ننتجه، أي 25 في المائة من مساحة الذرة المعالجة ضد الحشرات في هذا البلد».
ما هي طريق اشتغال عمال «بيو تو» الأربعين؟ في البداية، يقومون بجني جنودهم الصغار من الطبيعية، ثم يجعلونهم يتكاثرون في ظروف ملائمة من حيث درجة الحرارة والإنارة ومستوى رطوبة الماء في الهواء والتهوية. ولبلوغ هذا الأمر، يجب في البداية إطعامها. والطعام المفضل إلى كل هذه الدواب هو بيض فراشات «إيفستيا» المعروفة أكثر باسم فراشة الدقيق.
ويؤكد إيريك توفونان، المدير الصناعي: «نقوم بإنتاج 2.000 مليار بيضة إيفستيا. ويشكل هذا البيض قاعدة عملنا كله». أي قاعدة الجزء الأكثر حساسية وأكثر سرية!
ويوافق إيريك توفونان على مواربة الباب الثخينة المنزلقة لإحدى القاعات السبعة المخصصة لفراشات الدقيق، ويكشف بشكل سريع على صفوف من الأواني المملوءة بالحبوب عليها بيض في قمة نموه، قبل أن يعيد إغلاقها من جديد متعللا بالقول: «سيكون منافسونا، سيما البرازيليون، سعداء باكتشاف طرقنا في الصناعة!».
ويفضل المدير عوض ذلك الصناعي، إظهار عينة البيض الموضوعة في قنينة. ونظرا لعددها البالغ 36.000 بيضة في الغرام الواحد، يرى الناظر تحت عينيه سميدة صوفية اللون تكاد تقارب لون الرمل. هذا المسحوق إذن هو ما يقدم لملايير حشرات «بيوتوب» على شكل أكلة خفيفة.
النحل الطنان في خدمة نحل العسل
بالنسبة إلى بعضهم، الأمر أكثر من هذا: «الزنابير الدقيقة عبارة عن طفيليات وهي في حاجة إلى مضيف لتمنح يرقاتها القدرة على التطور. هذا المضيف هو بيضة فراشة الدقيق، حيث يقوم «تريكوغرام» بوضع ذريته التي سرعان ما تجد لها مكانا خاصا للتطور هناك»، يؤكد إيريك توفونان. وفي هذا السياق، يتحول بيض «إيفستيا» إلى اللون الأسود، ليكون دليلا على أنها تعاني من التطفل. سنويا يتم إنتاج خمسة وعشرين مليار زنبور دقيق «تريكوغرام» بهذه الطريقة.
بعد ذلك، لا يتبقى إلا تكييف هذه الحشرات القاتلة التي يجري إيواؤها وإطعامها في «ليفرون سور دروم». فعندما تكون في الحالة اليرقانية تنقل إلى علب صغيرة من الكرتون المشرب بالعسل، مما يساعدهما على الوصول إلى حالة البلوغ. بعد ذلك تباع العلب إلى الفلاحين الذين يقومون بفتحها قبل تعليقها على النباتات المضرورة، ثم تقوم الجيوش المقدامة بمغادرتها وتبدأ الهجوم.
لا يقتصر إنتاج الشركة على المقاتلين، فمنذ نهاية سنة 2010، حظيت بالشرف ذاته أنواع أخرى من الحشرات، من قبيل النحل الطنان الناقل لحبوب القاح.
ويؤكد  مارك فيغنو، «مع الانخفاض المقلق لأعداد مجتمعات النحل، كثر الطلب على النحل الطنان. فنظرا لخشونته الكبيرة، فإن له قدرة كبيرة على البقاء على قيد الحياة في ظروف يقضي فيها النحل كما يقوم بعمل التلقيح نفسه»، وتبيع الشركة أسبوعيا مئات من خلايا النحل.
هذا النشاط لا يخلو من خطر لأن مستخدمي الشركة لا يجيدون التعامل مع النحل الطنان تعاملهم مع حشرات الدعسوقة، فـ«في أحد الأيام، قام أحد زملائي بإسقاط خلية، فانفتحت وخلال فترة وجيزة، تعرض لثماني لدغات وكاد يغمى عليه!»، يحكي المسؤول عن المنطقة المخصصة للنحل الطنان.
وبغية تجنب أي حادث كيفما كان، يشتغل المستخدمون العاملون على خلايا النحل في قاعات مغرقة بالضوء الأحمر: «النحل الطنان لا يميز اللون الأحمر، فبالنسبة إليه، يبدو أسود، مما يجعله أكثر هدوء وأقل عدوانية». ويكفي إشعال بطاريات كلاسيكية لرؤية جحافل الحشرات تطير في كل اتجاه داخل الخلايا في جلبة مدمرة.

أهي نهاية المبيدات الكيماوية؟

تضم قاعات «بيوتوب» المحفوظة بعناية، نزلاء آخرين منها القراديات المفترسة والتربس والديدان الأسطوانية.. فهل سيجعل هؤلاء الأوفياء المساعدون استعمال مبيدات الحشرات الكيماوية غير ذي جدوى يوما ما؟ «نحن لا نحارب المنتجات الخاصة بالاعتناء بالنباتات، يؤكد مارك فيغنو، لأن الحرب البيولوجية تظل مجرد مكمل».
لكن يبقى أن يشعر مدير «بيوتوب» بالسعادة من القانون الجديد الذي سيمنع استعمال مبيدات الحشرات في الفضاءات الخضراء العمومية الفرنسية منذ سنة 2022.
وفي انتظار ذلك، يعمل هؤلاء المهندسون، أكثر من أي وقت مضى، على تطوير أسلحة طبيعية جديدة للقضاء على «البوشينيات» (اسم لبعض الأمراض الفطرية التي تصيب النباتات)، التي تصيب القمح والعنب. لكنهم لن يتفوهوا بأية كلمة، فكما هو الحال مع البقية، سيظل الأمر سرا.

فلاش بريس